الصفحة الرئيسية
>
شجرة التصنيفات
كتاب: الحاوي في تفسير القرآن الكريم
فجعل النبي صلى الله عليه وسلم يقول: «وَيَأْتِيكَ بِالأَخْبَارِ، مَنْ لَمْ تُزَوِّدْ بِالأَخْبَارِ» فقال أبو بكر: ليس هكذا يا رسول الله فقال: «لَسْتُ بِشَاعِرٍ وَلا يَنْبَغِي لِي أنْ أَتَكَلَّمَ بِالشِّعْر».فإن قيل: روي عنه أنه كان يتكلم بالشعر لأنه ذكر أنه قال:«أنَا النَّبِيُّ لا كَذِب ** أنَا ابْنُ عَبْدِ المُطَّلِبْ»وذكر أنه عثر يومًا فدميت أصبعه فقال:«هَلْ أنْتِ إلاَّ إصْبَعٌ دَمِيت ** وِفِي كِتَابِ الله مَا لَقِيت»وذكر أنه قال يوم الخندق:«بِسْمِ الإله وَبِهِ هُدِينَا ** وَلَوْ عَبَدْنَا غَيْرَهُ شقِينَا»قيل له: هذه كلمات تكلم بها فصارت موافقة للشعر، وليست بشعر.ثم قال عز وجل: {لّيُنذِرَ مَن كَانَ حَيًّا} يعني: من كان مؤمنًا، لأن المؤمن هو الذي يقبل الإنذار.ويقال: {مَن كَانَ حَيًّا} يعني: عاقلًا راغبًا في الطاعة.قرأ نافع وابن عامر: {لّتُنذِرَ} بالتاء على معنى المخاطبة.يقول: لتنذر يا محمد.وقرأ الباقون بالياء على معنى الخبر عنه.يعني: لتنذر يا محمد.ويقال: يعني: لتنذر بالقرآن من كان مهتديًا في علم الله تعالى الأزلي {وَيَحِقَّ القول} يعني: وجب العذاب {عَلَى الكافرين} يعني: قوله: {قَالَ اخرج مِنْهَا مَذْءُومًا مَّدْحُورًا لَّمَن تَبِعَكَ مِنْهُمْ لأَمْلأَنَّ جَهَنَّمَ مِنكُمْ أَجْمَعِينَ} [الأعراف: 18] ثم وعظهم ليعتبروا.فقال عز وجل: {أَوَ لَمْ يَرَوْاْ أَنَّا خَلَقْنَا لَهُم} يعني: أولم ينظروا فيعتبروا فيما أنعم الله عز وجل عليهم.قوله: {مِمَّا عَمِلَتْ أَيْدِينَا أنعاما} يعني: أنا خلقنا لهم بقوتنا، وبقدرتنا، وبأمرنا، {أنعاما} يعني: الإبل، والبقر، والغنم، {فَهُمْ لَهَا مالكون} يعني: الأنعام.وقال قتادة: يعني: ما في بطونها {وذللناها لَهُمْ} يعني: سخرناها لهم، فيحملون عليها، ويسوقونها حيث شاءوا، فلا تمتنع منهم {فَمِنْهَا رَكُوبُهُمْ} في انتفاعهم وحوائجهم {وَمِنْهَا يَأْكُلُونَ} من الإبل، والبقر، والغنم، {وَلَهُمْ فِيهَا} يعني: في الأنعام {منافع} في الركوب، والحمل، والصوف، والوبر، {ومشارب} يعني: ألبانها {أَفَلاَ يَشْكُرُونَ} رب هذه النعمة، فيوحدونه.يعني: اشكروا، ووحدوا، {واتخذوا مِن دُونِ الله ءالِهَةً} يعني: تركوا عبادة رب هذه النعم، وعبدوا الآلهة {لَّعَلَّهُمْ يُنصَرُونَ} يعني: لعل هذه الآلهة تمنعهم من العذاب في ظنهم.يقول الله عز وجل: {لاَ يَسْتَطِيعُونَ نَصْرَهُمْ} يعني: منعهم من العذاب {وَهُمْ لَهُمْ جُندٌ مٌّحْضَرُونَ} يعني: الكفار للأصنام جند يتعصبون لها، ويحضرونها في الدنيا للآلهة.ويقال: {وَهُمْ لَهُمْ جُندٌ مٌّحْضَرُونَ} يعني: لآلهتهم كالعبيد، والخدم.قيام بين أيديهم.وقال الحسن: {وَهُمْ لَهُمْ جُندٌ} في الدنيا {مُحْضَرُونَ} في النار.ثم قال عز وجل: {فَلاَ يَحْزُنكَ قَوْلُهُمْ} يعني: لا يحزنك يا محمد تكذيبهم إياك {إِنَّا نَعْلَمُ مَا يُسِرُّونَ} من التكذيب {وَمَا يُعْلِنُونَ} يعني: ما يظهرون لك من العداوة.قوله عز وجل: {أَوَلَمْ يَرَ الإنسان أَنَّا خلقناه مِن نُّطْفَةٍ} روى سفيان، عن الكلبي، عن مجاهد قال: أتى أبيّ بن خلف الجمحي إلى النبي صلى الله عليه وسلم بعظم بالي، قد أتى عليه حين، فقام ففته بيده، ثم قال: يا محمد أتعدنا أنا إذا متنا وكنا مثل هذا بعثنا؟ فأنزل الله تعالى: {أَوَلَمْ يَرَ الإنسان} الآية.وروي عن ابن عباس رضي الله عنه أنه قال: لما ذكر رسول الله صلى الله عليه وسلم القرون الماضية أنهم يبعثون بعد الموت، وأنكم يا أهل مكة معهم، فأخذ أبيّ بن خلف الجمحي عظمًا باليًا، فجعل يفته بيده، ويذروه في الرياح، ويقول: عجبًا يا أهل مكة إن محمدًا يزعم أنا إذا متنا، وكنا عظامًا بالية مثل هذا العظم، وكنا ترابًا، أنا نعاد خلقًا جديدًا، وفينا الروح، وذلك ما لا يكون أبدًا، فنزل {أَوَلَمْ يَرَ الإنسان أَنَّا خلقناه مِن نُّطْفَةٍ} يعني: أولم يعلم هذا الكافر أنا خلقناه أول مرة من نطفة {فَإِذَا هُوَ خَصِيمٌ مُّبِينٌ} جدل بالباطل.ويقال: {خَصِيمٌ} بيَّن الخصومة فيما يخاصم {مُّبِينٌ} أي: بيّن {وَضَرَبَ لَنَا مَثَلًا} يعني: وصف لنا شبهًا في أمر العظام.ويقال: وصف لنا بالعجز {وَنَسِىَ خَلْقَهُ} يعني: وترك ابتداءه حين خلقه من نطفة.ويقال: ترك النظر في خلق نفسه فلم يعتبر و{قَالَ مَن يُحىِ العظام وَهِىَ رَمِيمٌ} يعني: بالية.والرميم: العظم البالي.يقال: رمّ العظم إذا بلي.قال الله تعالى: {قُلْ يُحْيِيهَا الذي أَنشَأَهَا أَوَّلَ مَرَّةٍ} يعني: قل يا محمد يحيي العظام الذي خلقها أول مرة يعني: في أول مرة ولم يكن شيئًا.ثم قال عز وجل: {وَهُوَ بِكُلّ خَلْقٍ عَلِيمٌ} يعني: {عَلِيمٌ} بخلقهم، وببعثهم.ثم أخبر عن صنعه ليعتبروا في البعث فقال: {الذى جَعَلَ لَكُمُ} يعني: قل يا محمد العظام يحييها {الذى جَعَلَ لَكُمُ} {مّنَ الشجر الاخضر نَارًا فَإِذَا أَنتُم مّنْه تُوقِدُونَ} قال الكلبي: كل شجرة يقدح منها النار إلا شجرة العناب، فمن ذلك القصارون يدقون عليه {فَإِذَا أَنتُم مّنْه تُوقِدُونَ} يعني: تقدحون.يعني: فهو الذي يقدر على أن يبعثكم.ثم قال عز وجل: {أَوَلَيْسَ الذي خَلَقَ السموات والأرض} وهي أعْظَمُ خلقًا {بقادر على أَن يَخْلُقَ مِثْلَهُم} في الآخرة.والكلام يخرج على لفظ الاستفهام.ويراد به التقرير.ثم قال: {بلى} هو قادر على ذلك {وَهُوَ الخلاق العليم} يعني: الباعث {العليم} ببعثهم.قوله عز وجل: {إِنَّمَا أَمْرُهُ إِذَا أَرَادَ شَيْئًا} من أمر البعث وغيره {أَن يَقُولَ لَهُ كُن فَيَكُونُ} خلقًا.قرأ ابن عامر والكسائي: {فَيَكُونُ} بالنصب، وقد ذكرناه في سورة البقرة {فسبحان الذي بِيَدِهِ مَلَكُوتُ كُلّ شَىْء} يعني: خلق كل شيء من البعث وغيره.ويقال: خزائن كل شيء.ويقال: له القدرة على كل شيء {وَإِلَيْهِ تُرْجَعُونَ} بعد الموت، فيجازيكم بأعمالكم.قال: حدّثنا الفقيه أبو الليث رحمه الله.قال: حدّثنا أبو الحسن أحمد بن حمدان، بإسناده عن أبي بن كعب رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: «إنَّ لِكُلِّ شَيْءٍ قَلْبًا، وَقَلْبُ القُرْآنِ يس، فَمَنْ قَرَأ يس يُرِيدُ بِهَا وَجْهَ الله تَعَالَى غُفِرَ لَهُ، وَأُعْطِيَ مِنَ الأجْرِ كَمَنْ قَرَأ الْقُرْآن اثْنَتَيْ عَشَرَةَ مَرَّةً وَأيُّمَا مُسْلِمٍ قُرِئَتْ عِنْدَهُ سُورَةُ يس حِينَ يَنْزِلُ بِهِ مَلِكُ الْمَوْتِ يَنْزِلُ إلَيْهِ بِكُلِّ حَرْفٍ مِنْهَا عَشَرَةُ أمْلاكٍ يَقُومُونَ بَيْنَ يَدَيْهِ صُفُوفًا، يُصَلُّونَ عَلَيْهِ، وَيَسْتَغْفِرُونَ لَهُ، وَيَشْهَدُونَ قَبْضَهُ، وَيَشْهَدُونَ غَسْلَهُ، وَيُشَيِّعُونَ جِنَازَتَهُ، وَيُصَلُّونَ عَلَيْهِ، وَيَشْهَدُونَ دَفْنَهُ وَأيُّمَا مُسْلِمٍ مَرِيضٍ قرئ عِنْدَهُ سُورَةُ يس وَهُوَ فِي سَكَرَاتِ المَوْتِ، لا يَقْبِض مَلَكَ المَوْتِ رُوَحَهُ حَتَّى يَجِيءَ رَضْوَانُ خَازِنُ الْجَنَّةِ بِشُرْبَةٍ مِنْ شَرَابِ الْجَنَّةِ فَيَشْرَبُهَا وَهُوَ عَلَى فِرَاشِهِ، فَيَقْبِضُ مَلَكُ الْمَوْتِ رُوحَهُ عَلَيْهِ السَّلامُ وَهُوَ رَيَّانُ، وَيَدْخَلُ قَبْرَهُ وَهُوَ رَيَّان، وَيَمْكُثُ فِي قَبْرِهِ وَهُوَ رَيَّان، وَيُخْرَجُ مِنَ الْقَبْرِ وَهُوَ رَيَّانُ، وَيُحَاسَبُ وَهُوَ رَيَّان، وَلا يَحْتَاجُ إلَى حَوْضٍ مِنْ حِيَّاضِ الأنْبِيَاءِ عَلَيْهِمْ السَّلامُ حَتَّى يُدْخُلَ الْجَنَّةَ وَهُوَ رَيَّان» وَالله سبحانه وتعالى أعلم بالصواب، وصلى الله على سيدنا محمد النبي الأوَّاب وعلى آله وسلم. اهـ.
|